سورة يوسف - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{الر تِلْكَ ءايَاتُ الكتاب المبين} {تِلْكَ} إشارة إلى آيات السورة وهي المراد ب {الكتاب}، أي تلك الآيات آيات السورة الظاهرة أمرها في الإِعجاز أو الواضحة معانيها، أو المبينة لمن تدبرها أنها من عند الله، أو لليهود ما سألوا إذ روي أن علماءهم قالوا لكبراء المشركين سلوا محمداً لم أنتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وعن قصة يوسف عليه السلام فنزلت: {إِنَّا أنزلناه} أي الكتاب. {قُرْءاناً عَرَبِيّاً} سمى البعض {قُرْءاناً} لأنه في الأصل اسم جنس يقع على الكل والبعض وصار علماً للكل بالغلبة، ونصبه على الحال وهو في نفسه إما توطئة للحال التي هي {عَرَبِيّاً} أو حال لأنه مصدر بمعنى مفعول، و{عَرَبِيّاً} صفة له أو حال من الضمير فيه أو حال بعد حال وفي كل ذلك خلاف. {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} علة لإنزاله بهذه الصفة أي أنزلناه مجموعاً أو مقروءاً بلغتكم كي تفهموه وتحيطوا بمعانيه، أو تستعملوا فيه عقولكم فتعلموا أن اقتصاصه كذلك ممن لم يتعلم القصص معجز لا يتصور إلا بالإِيحاء.
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} أحسن الاقتصاص لأن اقتص على أبدع الأساليب، أو أحسن ما يقص لاشتماله على العجائب والحكم والآيات والعبر فعل بمعنى مفعول كالنقص والسلب، واشتقاقه من قص أثره إذا أتبعه {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} أي بإيحائنا. {هذا القرءان} يعني السورة، ويجوز أن يجعل هذا مفعول نقص على أن أحسن نصب على المصدر. {وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين} عن هذه القصة لم تخطر ببالك ولم تقرع سمعك قط، وهو تعليل لكونه موحى وإن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة.
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ} بدل من {أَحْسَنَ القصص} إن جعل مفعولاً بدل الاشتمال، أو منصوب باضمار اذكر و{يُوسُفَ} عبري ولو كان عربياً لصرف. وقرئ بفتح السين وكسرها على التلعب به لا على أنه مضارع بني للمفعول أو الفاعل من آسف لأن المشهورة شهدت بعجمته. {لأَبِيهِ} يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام وعنه عليه الصلاة السلام: «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» {يَا أَبَتِ} أصله يا أبي فوض عن الياء تاء التأنيث لتناسبهما في الزيادة ولذلك قلبها هاء في الوقف ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وكسرها لأنها عوض حرف يناسبها، وفتحها ابن عامر في كل القرآن لأنها حركة أصلها أو لأنه كان يا أبتا فحذف الألف وبقي الفتحة، وإنما جاز {يا أبتا} ولم يجز يا أبتي لأنه جمع بين العوض والمعوض. وقرئ بالضم إجراء لها مجرى الأسماء المؤنثة بالتاء من غير اعتبار التعويض، وإنما لم تسكن كأصلها لأنها حرف صحيح منزل منزلة الاسم فيجب تحريكها ككاف الخطاب.
{إِنّى رَأَيْتُ} من الرؤيا لا من الرؤية لقوله: {لاَ تَقْصُصْ رُءيَاكَ} ولقوله: {هذا تَأْوِيلُ رؤياى مِن قَبْلُ} {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشمس والقمر}. روي عن جابر رضي الله تعالى عنه: «أن يهودياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أخبرني يا محمد عن النجوم التي رآهن يوسف، فسكت فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بذلك فقال إذا أخبرتك هل تسلم قال نعم، قال جريان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له فقال اليهودي إي والله إنها لأسماؤها» {رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} استئناف لبيان حالهم التي رآهم عليها فلا تكرير وإنما أجريت مجرى العقلاء لوصفها بصفاتهم.
{قَالَ يَا بُنَيَّ} تصغير ابن صغرهَ للشفقة أو لصغر السن لأنه كان ابن اثنتي عشرة سنة. وقرأ حفص هنا وفي (الصافات) بفتح الياء. {لاَ تَقْصُصْ رُءيَاكَ على إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا} فيحتالوا لإِهلاكك حيلة، فهم يعقوب عليه السلام من رؤياه أن الله يصطفيه لرسالته ويفوقه على إخوته، فخاف عليه حسدهم وبغيهم والرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما يكون في النوم، فرق بينهما بحرفي التأنيث كالقربة والقربى وهي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك، والصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ، فتتصور بما فيها مما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك، ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشترك فتصير مشاهدة، ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية والجزئية استغنت الرؤيا عن التعبير وإلا احتاجت إليه، وإنما عدى كاد باللام وهو متعد بنفسه لتضمنه معنى فعل يتعدى به تأكيداً ولذلك أكد بالمصدر وعلله بقوله: {إِنَّ الشيطان للإنسان عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظاهر العداوة لما فعل بآدم عليه السلام وحواء فلا يألوا جهداً في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على الكيد.


{وكذلك} أي وكما اجتباك لمثل هذه الرؤيا الدالة على شرف وعز وكمال نفس. {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} للنبوة والملك أو لأمور عظام، والاجتباء من جبيب الشيء إذا حصلته لنفسك. {وَيُعَلّمُكَ} كلام مبتدأ خارج عن التشبيه كأنه قيل وهو يعلمك. {مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} من تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة، وأحاديث النفس أو الشيطان إن كانت كاذبة. أو من تأويل غوامض كتب الله تعالى وسنن الأنبياء وكلمات الحكماء، وهو اسم جمع للحديث كأباطيل اسم جمع للباطل. {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} بالنبوة أو بأن يصل نعمة الدنيا بنعمة الآخرة. {وعلى ءالِ يَعْقُوبَ} يريد به سائر بنيه، ولعله استدل على نبوتهم بضوء الكواكب أو نسله. {كَمَا أَتَمَّهَا على أَبَوَيْكَ} بالرسالة وقيل على إبراهيم بالخلة والإِنجاء من النار وعلى إسحاق بانقاذه من الذبح وفدائه بذبح عظيم. {مِن قَبْلُ} أي من قبلك أو من قبل هذا الوقت. {إبراهيم وإسحاق} عطف بيان لأبويك. {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ} بمن يستحق الاجتباء. {حَكِيمٌ} يفعل الأشياء على ما ينبغي.


{لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} أي في قصتهم. {ءايات} دلائل قدرة الله تعالى وحكمته، أو علامات نبوتك وقرأ ابن كثير {آية}. {لّلسَّائِلِينَ} لمن سأل عن قصتهم، والمراد بإخوته بنو علاته العشرة وهم: يهوذا وروبيل وشمعون ولاوى وزبالون ويشخر ودينة من بنت خالته ليا تزوجها يعقوب أولاً فلما توفيت تزوج أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف. وقيل جمع بينهما ولم يكن الجمع محرماً حينئذ وأربعة آخرون: دان ونفتالي وجاد وأشر من سريتين زلفة وبلهة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8